الجزء الأول : الآن، بعد أن أصبحت رجلاً طاعناً في السنّ، لا يمكنني العودة إلى رواية “انتظر حتى الربيع يا بانديني”، دون أن أضيّع أثرها في الماضي. أحياناً، عندما أكون مستلقياً في السرير ليلاً ستفتنني عبارة أو فقرة أو شخصية من ذلك العمل القديم، فيما يشبه الحلم، وسوف أضفرها معاً في عبارات، وأسحب منها نوعاً من ذكرى شجية عن غرفة نوم قديمة في كولورادو، أو أبي، أو أخواي وأختي. لا يمكنني تخيّل أن ما كتبته منذ وقت طويل جداً سوف يمنحني السكينة كما يفعل نصف الحلم هذا. الجزء الثاني : الطريق إلى لوس أنجلس ستدهشك. هذا ما يتوجب على الروايات الجيدة أن تفعله. مزج فانتي الخيال مع الواقع، وهذا صحيح، لأن الواقع هو نصف الخيال بأية حال. هذا كتاب معقد، ولو أن أسلوبه ليس كذلك، وهو يستحق القراءة مراراً وتكراراً. يطرح في كل مرة مزيداً من الأسئلة. إنه صعب، مريح، مضحك، وحزين. سيجلعك غاضباً ومسروراً. وأكثر من أي شيء، هو كتاب صادق، وهذا نادر بل أكثر ندرة هذه الأيام. الشخصيات ليست مثالية وما من أبطال سنتين من وقاة الكاتب، الطريق إلى لوس أنجلس كلاسيكية ضائعة، تم العثور عليها الآن وأعيد نشرها، الجزء الثالث : في أحد الأيام سحبت كتاباً وفتحته، وقفت لحظة أقرأ ثم حملته واتجهت به إلى الطاولة كمن يجد ذهباً في مكبّ نفايات المدينة، تدحرجت السطور بيسر عبر الصفحة متدفقة متتابعة وطاقة كل منها لا تقل عن طاقة الآخر، منح تركيب كل سطر منها الصفحة شكلاً وشعوراً بشيء منحوت فيها. ها هنا أخيراً رجل لم يخشَ من العواطف، الألم والفكاهة متمازجان ببساطة رائعة، أما افتتاحيته فكانت معجزة هائلة ووحشية بالنسبة إليّ.
الجزء الثالث :
كان لدي بطاقة مكتبة، أخذت الكتاب معي، في غرفتي صعدت إلى سريري وقرأته، أدركت قبل إنهائه بوقت طويل أن لهذا الرجل طريقة متميزة في الكتابة، كان اسم الكتاب “أسأل الغبار” للكاتب “جون فانتي”، استمر تأثيره في كتاباتي مدى الحياة، انتهيت من قراءة “أسأل الغبار” وبحثت عن كتب أخرى لفانتي في المكتبة، وجدت اثنين: “داجو الأحمر” و”انتظر حتى يأتي الربيع يا بانديني”، كان لهما الأسلوب نفسه، فهما مكتوبان عن ومن الصميم والقلب.
بعد تسعة وثلاثين عاماً أعيد قراءة أسأل الغبار، أقصد أنني أعدت قراءتها هذه السنة وما تزال صامدة، كما هي أعمال فانتي الأخرى، لكن هذه الرواية هي المفضلة لدي، لأنها كانت إكتشافي الأول للسحر. الجزء الرابع : يمكنني تذكّر عدد من القصص هن سوء الحظ والدي الغريب ككاتب، لكن هذه هي القصة الأبرز حالياً. في الواقع عام ١٩٣٩ نشرت شركة ستاكبول (دون إذن من الكاتب) كتاباً يدعى “كفاحي”. كان الكاتب هاوياً للأدب في أفضل أحواله. كان بناء جُمَله مشوشاً، أحمق، فقراته مفككة وكان يميل للحديث بشكل مسهب عن التفاصيل والهراء. وبالتأكيد كان أدولف هتلر غاضباً من الجميع. لذا كان قرار الفوهرر أن يقاضي شركة ستاكبول وأبناءه لعدم الاستئذان بنشر مانيفستو السجن. لذا فإن المال، الذي كان من المفترض أن يُصرف على الدعاية لوراية (اسأل الغبار) عام ١٩٣٩ ويمنح جون فانتي الاعتراف الذي يليق به، صُرف على المحامين لتسوية معركة قانونية.
